حركة الترجمة
كانت حركة الترجمة للكتب الأجنبية من أكبر العوامل التي أثّرت على العقيدة الإسلامية ، فأدخلت على هذه العقيدة موروثات فلسفية ، وإن كانت هذه الحركة في بداياتها ليس لها علاقة بالعقيدة ؛ لكنها ما لبثت أن دخلت في العقائد فأفسدت على بعض المسلمين عقائدهم .
ولقد كان السلف يحذّرون من هذا ، وبدأت بعض بذوره - وربما لم تكن مقصودة - في عصر الصحابة ، ومعلوم قصة صبيغ بن عسل وخوضه في المتشابهات ، حيث قيل فيه إنه (( كانت عنده كتب ))([1]) .
وهذا لا يدل على نوعية هذه الكتب ، وليس فيه إلاّ أن صبيغًا ربما كانت عنده تيارات غير إسلامية أخذها من هذه الكتب .
لم تكن عملية الترجمة والنقل في ظل الدولة الأموية علامةً ظاهرةً ، ولم يكن لهم شغل بالعلوم الفلسفية ، إلاّ ما ذُكر عن خالد بن يزيد بن معاوية ، فقد ذكر ابن النديم أن
(( خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان ، وكان فاضلاً في نفسه ، وله همة ومحبة للعلوم ، خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من الفلاسفة ممن كان ينـزل مدينة مصر وقد تصفح بالعربية ، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي ، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة ، ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية … ))([2]) .
(( خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان ، وكان فاضلاً في نفسه ، وله همة ومحبة للعلوم ، خطر بباله الصنعة فأمر بإحضار جماعة من الفلاسفة ممن كان ينـزل مدينة مصر وقد تصفح بالعربية ، وأمرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي إلى العربي ، وهذا أول نقل كان في الإسلام من لغة إلى لغة ، ثم نقل الديوان وكان باللغة الفارسية … ))([2]) .
ويتبين من هذا أنّ حركة الترجمة لم تتعدَّ كتب الصنعة ، والذي حمل خالدًا على ذلك دوافع نفسية ورغبات شخصية ، حيث نقل ابن النديم أيضًا أنه (( قيل له : لقد جعلت أكثر شغلك في طلب الصنعة ، فقال خالد : ما أطلب بذاك إلاّ أنه أغني أصحابي
وإخواني ، وإني طمعتُ في الخلافة فاختزلت دوني فلم أجد منها عوضًا إلاّ أن أبلغ آخر هذه الصناعة فلا أحوج أحدًا عرفني يومًا أو عرفته إلى أن يقف بباب السلطان رغبةً أو رهبةً ))([3]) .
وإخواني ، وإني طمعتُ في الخلافة فاختزلت دوني فلم أجد منها عوضًا إلاّ أن أبلغ آخر هذه الصناعة فلا أحوج أحدًا عرفني يومًا أو عرفته إلى أن يقف بباب السلطان رغبةً أو رهبةً ))([3]) .
وربما يكون السبب في ذلك أنّ خالدًا رأى جده معاوية قد اتخذ من ابن أثال النصراني طبيبًا ، فأراد أن يتصل مثله برجال الطب والفلسفة والكيمياء …([4]) .
وأما عمر بن عبدالعزيز فقد ترجم في عهده كتب الطب ، وقرب إليه من الفلاسفة عبدالملك بن أبجر الكناني ، وكان طبيبًا ماهرًا أسلم على يد عمر بن عبدالعزيز([5]) .
فمما سبق يتبين لنا أنّ الترجمة في هذا العصر الأموي تناولت جانبين في هذه المرحلة :
الأول : ترجمة العلوم الطبيعية ، كالطب والكيمياء ، دون أن تتجاوزها إلى العلوم العقلية ، كالمنطق وما وراء الطبيعة ، وذلك لحاجتهم لهذه العلوم مع عدم معارضتها للإسلام في الجملة .
الثاني : حركة التعريب للدواوين([6]) .
ومما ينبه إليه في هذه المرحلة أنّ الاهتمام فيها لم يكن اهتمامًا بالفلسفة كعلم ، وما نقل عن أطباء وغيرهم فإنما هو معمول به كصنعة من الصناعات ، وهذا لا يطعن فيما نقول من أنّ العلم الشائع في هذا العصر هو العلم الشرعي الديني([7]) .
ثانيًا : الترجمة في عصر الدولة العباسية
جاءت الدولة العباسية وكانت سياستها تختلف عن السياسة في الدولة الأموية ، فالثانية تميزت بالعصبية القبلية ، فكان خلفاؤها ووزراؤها من العرب . أما الدولة العباسية فقامت على أكتاف الفرس من أهل خراسان الذين لهم ثقافات قديمة قد تمسكوا بها ، زد على هذا أنّ كثيرًا من خلفاء بني العباس كانت نشأتهم غير عربية ، مما جعل عندهم مرونة في الانفتاح على غيرهم ؛ لذا أخذ خلفاء بني العباس يطلبون العلم يجميع أنواعه ، ويكلفون النقلة والمترجمين بنقل العلوم الحكمية - طب وهندسة وفلك - ويغدقون عليهم الإموال([8]) .
وكان أبو جعفر المنصور - ثاني خلفاء بني العباس - قد عني بنشر هذه العلوم الفلسفية ، ولكن ليس جميع العلوم ، (( .. فبعث أبو جعفر إلى ملك الروم يبعث إليه بكتب التعاليم مترجمةً ، فبعث إليه بكتاب أوقليدس وبعض كتب الطبيعيات ، وقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها … ))([9]) .
ولم تترجم في هذه المرحلة جميع علوم اليونان ، بل كانت بعض العلوم لم تترجم ؛ لما فيها من الضرر ، والذي تُرجم في عهد المنصور هي كتب الطب والمنطق ، فأما الطب فقد بدأت الترجمة فيه في عهد بني أمية ، وأما المنطق فالمعروف أنّ أبا جعفر هو أو من ترجمه .
وأما السبب الذي لأجله قام المنصور بالاهتمام بكتب الطب وتشجيع المترجمين على ترجمتها : ما حُكي من أنه أصيب بمرض في معدته فاستعصى على أطبائه علاج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق